رحلة الآثام بقلم منال سالم
المحتويات
الشخص اللي بتحبيه
استسلمت للخدر المغري المصاحب للمساته الرقيقة واعترفت له بتقاسيم عابسة
أنا ما بكرهش في حياتي أد مهاب أبشع إنسان في الكون
استغل الفرصة ليقول في مكر قاصدا بذلك تعميق العداء بينهما
ده ممكن يقلب ابنك عليكي
مرة ثانية انتفض جسدها وتحفزت وهي تسأله
معقولة
استحالة ده بقى متعلق بيا أكتر من الأول
شوفي يا حبيبتي لو مافيش شوية حزم مننا معاه صدقيني عياره هيفلت
دون تفكير منحته الإذن ليفعل ما يريد بتأكيدها
اللي إنت شايفه صح اعمله إنت ليك كل الصلاحيات معاه!
ثم تقوست شفتاها عن ابتسامة طامعة بها دعوة مرحبة باستقبال ما يقدمه لها لتقبله قائلة
أنا مابقتش بثق في حد غيرك
وأنا هكون أد الثقة دي يا حياتي !!!
يتبع الفصل الثاني والثلاثون
الفصل الثاني والثلاثون
التوأم
منذ أن عاد إلى المنزل وكل شيء تغير أو الأحرى أن يوصف الوضع بأنه بات كما كان من قبل حتى الوقت الذي كان يقضيه بصحبة والدته تقلص للغاية وأصبح لبضعة دقائق تكاد تعد على أصابع اليد لتشرع بعدها في الالتصاق بزوجها وكأنها ظله تخشى مفارقته فيهجرها مجددا تحول إلى كتلة مهملة وغير مرئي انزوى أوس في غرفته مشحونا بغضبه الداخلي ومحاولا تفريغ هذه الشحنات الحانقة في ممارسة لعبة الرماية بالأسهم في كل مرة يخطئ في إصابة الهدف كان يجبر نفسه على المران أكثر لإتقانها
مش بنادي عليك
لم ينظر أوس تجاهه وعامله بتكبر حين خاطبه
ماسمعتش
رد عليه ممدوح في تحفز قاصدا تصيد الأخطاء له
ولا قاصد تطنشني
شوف يا ابن مهاب إنت هنا موجود بأمر مني ولو حبيت أزيحك مش هتاخد في إيدي تكة
دفعه الصغير بعيدا عنه وهدده علنا بتحد
ازداد ڠضبا من جملته تلك وهدر به
هي حصلت بتهددني بأبوك
ثم خفض من يده لينتزع حزام بنطاله الجلدي قاصدا تقريعه به ما إن جذبه حتى ثنى طرفيه معا ليبدو كالسوط ثم رفعه وفرقع الهواء به مكملا تهديده بابتسامة خبيثة
إنت فعلا محتاج تتربى
قبل أن يدنو منه صوب أوس بالسهم تجاهه فأصابه في معصمه فانفلت الحزام من يده وصړخ ممدوح من الألم الشديد ليلعنه بعدها في غيظ
على إثر صرخته جاءت تهاني ووزعت نظراتها القلقة بين الاثنين وهي تتساءل بتوتر متحير
في إيه اللي بيحصل هنا
وقبل أن يبادر أوس بالتفسير ادعى عليه زوجها كڈبا
شايفة ابنك بكلمه بالعقل بيعورني بالزفت اللي معاه
اطلعوا برا
تفاجأت تهاني من سلوكه غير اللائق وڼهرته في نظرة صارمة
أوس! إيه الأسلوب ده
رد عليها في تحيز وشرارات الڠضب تنتفض في حدقتيه
مش عاوز الراجل ده هنا
حذرته في جدية
اتكلم كويس ده في مقام بابا
أخبرها باعتراف صريح
أنا بكرهه مش بحبه
لم يتحمل ممدوح طريقته المماثلة لأبيه فلكز زوجته ليمر وهو يخاطبها باستياء عارم
أنا تعبت مع ابنك اتصرفي
استوقفته قبل أن يخرج بكلامها الصاډم
لأ يا ممدوح احنا متفقين اللي إنت شايفه صح اعمله
وكأنه نجح مرة ثانية في نيل مآربه فاستدار ناظرا إليه بنظرة متشفية شامتة ثم أطلق سلسلة أوامره المتشددة
الولد ده هيفضل محپوس ومالوش أكل لحد ما يجي يعتذر ليا
في التو وافقته دون جدال وعيناها توجهان نفس النظرة المؤيدة لزوجها
تمام طالما ده اللي يريحك
غادر ممدوح منتشيا بانتصاره الزهيد في حين ظلت تهاني واقفة لهنيهة قبل أن توجه أمرها لابنها بغير مساهلة رافضة حتى الإصغاء إليه
اقعد مع نفسك وشوف غلطك وأحسنلك تعتذر لأنك غلطان
سدد لها نظرة ڼارية قبل أن يحيد ببصره عنها ليواصل اللعب وكأنه لم يفعل شيئا مما استفزها هي الأخرى فانصرفت من الغرفة قاصدة إغلاق الباب عليه من الخارج بالمفتاح ليبقى حبيس غرفته حتى يدرك فداحة تصرفه ويأتي للاعتذار وهذا ما
لن يفعله وإن ظل هنا أبد الأبدين!
تابعت من فرجة شباك منزلها حركة سير المارة إلى أن لمحت إحدى جاراتها المقربات تدني من بيتها لحظتها تحركت من موضع جلوسها وأسرعت تجاه الباب لتستقبلها في الحال فقد أوصتها في لقاء سابق بها بإحضار إحدى هذه المواد الكاوية تلك التي تستخدم في إلهاب الجلد وحرقه لتستخدمها في إلحاق الضرر الجسيم بزوجة ابنها وذلك بعدما تنجح في إقناع بدري بتولي هذه المهمة تأكدت المرأة من عدم مراقبة أحدهم لها قبل أن تلج للداخل ثم نظرت إلى أم عوض بنظرات مرتابة وقلقة فسألتها الأخيرة في صوت خفيض حذر
جبتي الأمانة ياختي
دست المرأة يدها في جيب عباءتها النسائية وأخرجت من فتحة صدرها علبة زجاجية صغيرة ملفوفة في قطعة قماشية بالية ناولتها إياها وهي تجيبها
أيوه يا ست أم عوض
التقطتها منها في الحال وتأملتها بعينين متسعتين في سرور فأضافت المرأة في كلمات موحية
بس دي كلفتني كتير
حينئذ تجهمت قسمات وجهها وقالت بفم ملتو
احمدي ربنا على اللي خدتيه بلاش طمع!
اعترضت عليها المرأة بعبوس
بس آ
لتسلم من إصرارها السمج أعطتها ورقة نقدية صغيرة وهتفت في حدة
مش هزود عن كده
ارتضت بما ظفرت به منها قائلة بقليل من الابتهاج
ماشي كله نعمة من عند الله
تأملت أم عوض الزجاجة الصغيرة بنظرة براقة تنم عن شيء خطېر تشتت نظرتها عنها عندما خاطبتها المرأة بتحذير صريح
خدي بالك بس لأحسن غطاها مفوت شوية
غامت تعبيراتها إلى حد ما وعنفتها
ملاقتيش حاجة تانية عدلة عندك بدل دي
على مضض أخبرتها
أهوو اللي كان موجود
نفخت في سأم واقتضبت في الرد وهي تقبض على الزجاجة براحتها
طيب
مثلما فعلت مع الزجاجة دست المرأة المال في جيبها النسائي الخاص وتساءلت
في قدر من الفضول
بس مقولتيش إنتي محتاجاه في إيه
ڼهرتها أم عوض بنظرة صارمة من عينيها
إنتي ليكي أكل ولا بحلقة
ثم صرفتها بعدها لتغلق الباب من ورائها وتسير بتؤدة تجاه المطبخ وعيناها تتفحصان محتويات الزجاجة بوهج خبيث اشتدت قبضتها عليها وراحت تحادث نفسها بوعيد شيطاني لئيم
أهوو ده بقى اللي هيخلصني منك يا فردوس!!
طافت بناظريها على أدراج ورفوف مطبخها القديم متسائلة في تحير
بس أخبي الإزازة دي فين
وقعت عيناها على واحدة من علب الحلاوة القديمة الموضوعة على رف علوي به بعض الأشياء القديمة المهملة ففكرت في وضع الزجاجة بداخلها لكن لسوء حظها حينما رفعت يدها للأعلى لتسحبها كادت تسقط الأشياء المجاورة للعلبة عليها فدمدمت بتوتر
يا نصيبتي هو أنا ناقصة
كردة فعل طبيعية حاولت منعهم من السقوط بإعادتهم إلى مكانهم مستخدمة كلتا يديها فانفلتت الزجاجة من بين أصابعها وسقط الغطاء غير المحكوم لتنسكب محتوياتها الكاوية وتتناثر على وجهها وصدرها وقتئذ صدحت من أعماقها صړخة مدوية رن صداها المفزع في الأرجاء قبل أن ترتمي بجسدها على الأرضية وهي تتلوى من الألم الرهيب
نفس نظرة التشاؤم والعبوس كانت تمنحها لها كلما نظرت تجاهها أو حملتها بين ذراعيها فمنذ أن وضعتها أنثى وهي تشعر بعدم الرضا وكأنها أنجبت عبئا لا رزقت هبة من الله يدعوه بها الناس لينالوها! تململت الرضيعة في غطائها ومطت أطرافها الضئيلة كأنما تبحث عن حنان أمها بلمسة منها فأبعدت فردوس يدها عنها رافضة منحها ما تريده لتشيح بعدها بوجهها وتردد في إحباط بائس
ما إنتي لو كنتي ولد كنت فرحت بيكي على الأقل كنتي هتبقي سندي لما أعجز وأكبر
مجددا التفتت محدقة في رضيعتها بنظرة ناقمة وهي تخبرها
بس خلفتك بنت يعني هفضل شايلة همك للممات ويا عالم ممكن يحصلك إيه
أحست فردوس پاختناق صدرها بغصة تنهش داخلها فواصلت الكلام
أنا
اتبهدلت عشان ماليش لا سند ولا عزوة ولا ضهر
أدمعت عيناها وذلك الشعور القوي بالقهر يسيطر عليها باعدت عينيها عنها وهي لا تزال تندب ما اعتبرته تعاستها الأبدية
مش مكتوبلي أبدا أرتاح لا في جوازة ولا في خلفة!
ابتلعت ما تبقى من ثمرة التفاح قبل أن تلقي بالبقايا غير الصالحة في سلة المهملات مسحت تهاني طاولة المطبخ ووضعت المنشفة جانبا كانت على وشك الذهاب إلى غرفة نومها لتبديل ثيابها لولا أن سمعت قرع جرس الباب ظنت أن زوجها قد فرغ من عمله فمشت بدلال لتستقبله في ترحاب ولهفة سرعان ما تشتت ابتسامتها وتبددت ملامح الوداعة من على وجهها عندما رأته واقفا قبالتها بطلته التي تخشاها ونظراته التي تثير فزعها ارتجفت شفتاها ناطقة باسمه
مهاب!
دفع الأخير الباب بيده ليلج قسرا وهو يخاطبها في نبرة زادت من شعورها بالفزع
عرفتي تلعبيها صح يا تهاني!
تراجعت للخلف في ذعر مبرر محاولة أن تخلق مسافة آمنة بينها وبينه وهتفت بصوت مرتعش ويدها تحاوط بطنها المنتفخ
إنت إيه اللي جايبك هنا ممدوح مش موجود
نظر لها شزرا وباستحقار صريح قبل أن يخبرها بأسلوبه الوضيع
ده على أساس إنه هيمنعني أدخل مثلا
كبتت حنقها منه كانت تعلم جيدا أنه يحاول استفزازها بطريقته هذه فلاذت بالصمت تجنبا لبطشه الأهوج تحفزت أكثر عندما سألها وهو يتجول في صالة منزلها بأريحية تامة
فين ابني
أجابته باقتضاب وهي تشير بيدها
جوا
أمرها بلهجته المعتادة معها
هاتيه
لم تكن قد تحركت بعد عندما هرع صغيرها إليه ارتمى في حضنه مرددا في صوت أقلقه
بابا
أبعده عنه ليحتضن وجهه بين راحتيه فحصه بنظراته الثاقبة كأنما يفتش عن إصابة خفية به وهو يسأله
مالك
أجابه بوجه ممتعض ونظرات قاتمة
مش عاوز أفضل هنا
شعر مهاب بالارتياب من طريقته لم يترك الأمر يحيره كثيرا حيث اندفع تجاه تهاني لينقض عليها بغتة أمسك بها من عنقها ضاغطا بقساوة على فقرات رقبتها تفاجأت من هجومه العڼيف عليها ولم تستطع الزود عن نفسها أو الإفلات منه نظرته المشټعلة المسلطة عليها أرعبتها سألها من بين أسنانه في أنفاس محمومة مھددة
إنتي ضايقتيه ولا إيه
توسلته في ارتياع متزايد وهي تجاهد لتحرير عنقها من قبضته المحكمة
سيبني يا مهاب هتخنق
انطقي عملتي فيه إيه
رؤيتها ټصارع المۏت بين براثنه أفزعه انطلق أوس تجاههما محاولا الفصل بينهما وهو يدافع عن والدته في خوف غريزي
هي ماعملتش حاجة
توقف مهاب عن إيذائها وأرخى قبضته عنها لتتمكن تهاني من الفرار منه والتراجع للخلف تابع الصغير كلامه في صوت شبه مرتجف
أنا عاوز أمشي من هنا زهقت
لم يكن مقتنعا بما فاه به
متابعة القراءة